في عام 1993، انتقلت إلى تل أبيب  بهدف الدراسة. أول لقاء لي مع مثلية جنسية صادف أن تكون فلسطينية أيضاً.  شيئ واحد فقط كان واضح لي بأن  هذا “ممنوع\ حرام!!” منذ تلك اللحظة، بدأت البحث عن هويتي الجنسية، الجندرية والقومية. في عالم تُحدد فيه تحديد هويتك من قبل المجتمع الذي نشأت فيه، شعرت أن شيئاً  ما تحداني وجعلني أسأل – من أنا؟

على الرغم من أن الإجابة كانت دائمًا موجودة بداخلي، كان الخوف من الاعتراف بها يبعدني عنها. لم أتوقف أبدًا عن التفكير في كلمة “مثلية” ومعناها بالنسبة لي. بسرعة كبيرة، بدأت في البحث عن مجموعات للمثليات. بهذه الطريقة، وجدت قلبي. تواصلت معهن وكان أول سؤال طرحته هو ما إذا كن يعرفن نساءً عربيات مثليات؟ كان الجواب أنني كنت المرأة العربية الأولى التي تتواصل معهن. بحثت مرة أخرى عن المرأة المثلية الفلسطينية التي قابلتها مرة واحدة، واخبروني أنها غادرت المدينة وتزوجت… يبدو أن الضغط الاجتماعي كان له تأثير عليها. وهكذا بدأت نشاطي ، من منظوري ومكاني الشخصي، وهكذا ربطت بين جميع هوياتي.

وصل مقال كتبته  لصحيفة “كلاف” (קל”ף) إلى حيا شالوم، واحدة من مؤسسات حركة المثليات في اسرائيل, ومن خلالها التقينا بمجموعة نساء من الأردن، في عام 1997. ليس هناك كلمات كافية لوصف التجربة، لكن عدت من هناك مع استنتاج أنه يجب أن تكون هناك مجموعة من النساء الفلسطينيات المثليات هنا أيضًا!

كان واضحًا لدي أن العديد من النساء في المجتمع الفلسطيني يعشن هويتهن وجنسانيتهن في السر.

جنى بولص, تصوير

 

الصمت الذي ينبع من الثقافة الأبوية التي تركز على قمع المرأة. كما هو الحال في أي مجتمع أبوي فإن المجتمع الفلسطيني أيضًا لا يقبل ويبعد عن نفسه بكل شكل من الأشكال أي تعبير “شاذ أو غير”. عندما تكون النساء هن “الغير”، فإن التهميش يصبح عنيفًا. السر الكبير للمجتمع الفلسطيني هو سر الجنسانية  الأنثوية.  يكاد لا يكون للمرأة أي حق في اختيار هوية أخرى غير تلك التي يفرضها عليها المجتمع الذكوري. المجتمع الذكوري يقمع المرأة، وبالتأكيد جنسانيتها، من خلال حرمانها من الحق والفرصة في التعبير عن جنسانيتها بطرق مختلفة.

من هنا، ليس فقط جنسانية النساء الفلسطينيات غير معترف بها وغير مشروعة، بل هي أيضًا تُمحى نتيجة للصمت الاجتماعي. لكي تنجو في المجتمع، تضطر المرأة الفلسطينية إلى التعاون، سواء بالسكوت أو بالالتزام للقيود الاجتماعية.

هذا هو أحد الأسباب التي التي تثير خوف النساء من التنظيم والاعتراض على القهر من قبل الرجال في مجتمعهن. طالما أن النساء يتحدن في النضال الوطني، يعتبر خروجهن من المنزل إلى الفضاء العام (المظاهرات، النشاط السياسي) شرعيًا. ومع ذلك، فإنه عندما تناضل النساء ليس فقط من أجل الاستقلال الوطني ولكن أيضًا من أجل استقلالهن من الاحتلال الذكوري، يصبحن على الفور أعداء.

لذلك، ظهرت الحاجة لتأسيس منظمة نسائية فلسطينية مثليّة تمكننا من التعبير والتحدث عن التناقضات الجنسانية والجندرية الخاصة بنا، وعن الصراع بين الهوية الوطنية والهوية الجندرية لدينا. منظمة تعطي مساحة لكل امرأة فلسطينية، سواء كانت تعرف نفسها كمثلية، ثنائية الجنس، متحولة جنسياً، بين الجنسين وما إلى ذلك، لتحرير سرها من خلال الحوار مع نساء أخريات في المجموعة.

وهكذا بدأنا.

في عام 2002، تم إنشاء  أول مجموعة نقاش على الإنترنت للنساء السحاقيات الفلسطينيات من جميع الأراضي الفلسطينية المحتلة. كان الهدف هو التعرف على بعضهن البعض وتوفير منصة لإنشاء مساحة آمنة للتواصل.

في يناير 2003، التقينا لأول مرة. بدأ التنظيم لدينا من خلال الاجتماعات التي سمحت لنا بالتعرف على بعضنا البعض والبدء في التعبير عن النقاط المؤلمة لكل شخص. تستمر الاجتماعات و تتكرر مرة واحدة في الشهر، حيث تنجح المثليات الفلسطينيات لأول مرة في التعبير عن المخاوف والألم والأمل التي كانت سرًا حتى ذلك الوقت.

وهكذا تم تأسيس “أصوات ” – حركة نساء فلسطينيات مثليات  الجنس. أتاح الاجتماع لكل واحدة منا التعبير عن مفاهيم مثل المثليات والمتحولات جنسيًا والمزدوجة والجنسانية بشكل عام … في الوقت نفسه، يستمر ويُنظم منتدى افتراضي عبر الإنترنت يشمل عشرات النساء الفلسطينيات اللواتي يتحدثن مع بعضهن البعض يوميًا وينجحن في رفع مضامين مكتومة والحصول على الدعم والتأييد من النساء الأخريات في المنتدى. والرحلة مستمرة…

روضة  مرقص احدى مؤسسات “أصوات ” – نساء مثليات فلسطينيات ومنظمة مجموعات إقليمية في صندوق Hivos.